الحقيبة السحرية لفرناندو بيسوا
|
الحقيبة السحرية
إعداد وترجمة: إسكندر حبش في البداية كانت هناك الحقيبة. تلك الحقيبة السحرية الشبيهة بمغارة علي بابا. الحقيبة التي صاغت الأسطورة،التي أطالت الشعائر وضاعفت احتفاليتها. القضية برمتها? تكمن إذا في هذه الحقيبة التي تتقدم شيئا فشيئا، التي تفتح لنا قلبها رويدا رويدا، فبفضلها لم يعد الشك مسموحا، إذ كل شيء صار ممكنا. هل اختفى الشك بذلك؟ من دون شك، كان فرضية واختفى. لم تكن هذه الحقيبة فارغة في يوم من الأيام. هل كانت مليئة ذات يوم؟ حتى هذه اللحظة، تشكل الحقيبة ذلك الانمساخ الأخير لكل "هؤلاء البدلاء". عبرها، جاءنا كل ما عرفناه عنه بأسمائه المتعددة، وربما سيجيء إلينا بدلاء آخرون: أسماء أخرى? ذات تواقيع مجهولة بعد. الحلم مسموح في هذه الحالة. مسموح، لأن من سيأتي قد يتقاطع مع المعروفين من قبلنا. وربما أيضا، يزيدون في تضاعف أعمال فرناندو بيسوا، لغاية أن "يخفوفها"، ربما، إن نشرت بالطبع كل كتاباته التي لم تنضب حتى اليوم. لقد ترك فرناندو بيسوا، إذا، حقيبة خلفه. حقيبة واسعة. مليئة بالمخطوطات. وفي هذه الحقيبة ذات الشهرة المجيدة، التي يمكن أن ندعوها صندوقا أيضا، مغلف علية بطاقة لاصقة مكتوب عليها "الرباعيات". مغلف يحوي ستين صفحة مخطوطة، من الصعب قراءتها، كما يقول لنا من استطاع فك رموزها (قام جورج رودولف ليند? بمساعدة جاسينتو دو برادو، بإعادة "تركيب" 325 رباعية. وقام الاثنان بنشرها وتقديمها في المجلد التاسع من "أعمال فرناندو بيسوا الكاملة" الصادرة عن "منشورات أتيكا في لشبونة(. انطلاقا من هذه الأوراق، جاء ديوان يتضمن 325 "رباعية ذات نكهة شعبية". أتاحت القصائد والأوراق المؤرخة (وهي قليلة في الواقع) بأن يعاد تركيب نوع من التسلسل الكرونولوجي. لقد كتبت الراعيات الثمانية الأولى ما بين سنتي 1907 و1908. في تلك الفترة كان فرناندو بيسوا قد نشر لتوه قصائد بالإنكليزية (نعرف انه كان يتكلم هذه اللغة بعد إقامته الطويلة، في شبابه، في جنوب أفريقيا). في تلك الفترة أيضا، بدأ يكتب بالبرتغالية. ومثلما يتراءى لنا فيما لو اتبعنا مسار حياته (راجع كتاب روبير بريشون "Etrange Etranger" الصادر عن منشورات كريستيان بورجوا في باريس)، فانه لم يكن قد نشر قبل هذه الرباعيات الثمانية، سوى نص واحد بلغته الأم. ستة من هذه الرباعيات الثمانية، تبدو لنا وكأنها تحيلنا إلى مرجع ذي واقعة محددة تتجلى في موت كائن عزيز. تمضي 26 سنة - إن صدقنا تواريخ الأوراق التي بعثت من الصندوق - قبل أن يعود بيسوا لتأليف رباعيات أخرى. لقد كتب المئات منها خلال العامين الأخيرين من حياته، بدءا من تموز 1934 وحتى حزيران 1935 (توفي فرناندو بيسوا في لشبونة يوم 30 تشرين الثاني عن 47 عاما(. كان بيسوا قد أبدى اهتمامه بهذا الشكل الشعري حين كتب مقدمة لديوان رباعيات صدر العام 1914 (ديوان "O missal de trovas" لأوغوستو كونيا وأنطونيو فيرو)، كذلك نجد أن العديد من قصائد هذا الديوان، القصيرة أو القصيرة جدا، موجودة بين قصائد فرناندو بيسوا وقصائد بدلائه. ثمة سؤال لا بد أن يطرح نفسه: لماذا وكيف حدث وما الذي دفع بشاعر مثل فرناندو بيسوا، الذي كان قليل "الطبيعية"، والمخضب كليا بالثقافة، لأن يكتب هذه القصائد ذات" النكهة الشعبية"، وليصل بها حتى النجاح؟ ربما كان علينا أن نسأل عن التحديدات التي نعطيها لكلمة "مذاق" أو لكلمة "ثقافة" أو لكلمة "شعبية" وفي علاقاتها فيما بينها. قد يستنتج المرء (ويساعدنا في ذلك قراءة الرباعيات المنشورة كلها) بأن هذه الكتابة المتفردة تظهر تناغما مع باقي أعمال بيسوا، وكأنها تشكل جزءا منها وغير مفصول عنها: تحوي التيمات عينها كما أرقه وقلقه ورهابه. في هذه "التركيبات" الشعرية، نجد ذلك المزيج من الصيغ اليومية كما نجد انحرافها الماكر. أما من حيث تراكيبها النحوية فتمتزج فيها أيضا تلك الاختصارات الشعبية مع أعقد تنويعات النحو والقواعد المستعملة،( لم يكن موجودا على المغلف سوى كلمة "رباعيات" من هنا لا بد أن نتساءل من أين تأتي إضافة كلمات "ذات المذاق الشعبي"؟ هل هي من فرناندو بيسوا نفسه؟ من منتحل ما؟ من اللذين عملا عل "فك رموز هذه الصفحات؟( * * * في هذه الرباعيات (تركيب شعري في العديد من بلدان العالم)، يحاول بيسوا أن يذيب كتابته في نوع أدبي وفي حساسية معينة، خاصتين بطائفة ما. يحاول أن يحذف أيضا تلك الرباعيات التي وجده إنها "شخصية" جدا. ما يؤكد ذلك ملاحظاته التي كتبها عل هامش هذه الأوراق الستين. من هنا يبدو أن هذا المشروع في نزع الصفة الشخصية عنها، هو في الوقت عينه، مشروع أكيد وملطف. * * * أكثر التنظيمات المستعملة في تكوين هذه القصائد، تقسم كل رباعية إلى "مقطعين"، يتألف كل مقطع من بيتين متكاملي المعنى. يموضع الجزء الأول ديكورا ما، يقبض على حالة ما، يوزع فضاء ما، يعيّن متحركا ما، يرفع مجازا ما، يرسم بورتريه ما أو ربما يرسم دوائر عاطفة ما أو حميمية معينة. أما الجزء الثاني - أكان ذلك عبر المقارنة المباشرة أو المضمرة، عبر التضاد،الخ... - فنجده يصل إلى خلاصة ما، يؤكد على أخلاقية ما، يطور مثالا ما، يعطي أثرا لمعنى، يجلب اللحظة أو التذكر إلى الوضع "العاطفي" لمن يتكلم?إلى برهان الحب، إلى ضده، إلى نشر هذا الحدث في تأمله الخاص، إلى "درس الحياة" الذي يخفي جيدا العواطف "المجعلكة". هذا الفضاء الداخلي للقصيدة (توزيع الأبيات الأربعة)، وان كان يحضر بكثافة، إلا أنه لا يشكل الحالة الوحيدة للرباعية. نجد أحيانا أن النسق مقلوب، أن الأبيات الأربعة متناسقة في مرات، تحمل القوافي عينها أو قواف مختلفة. * * * غالبية هذه الرباعيات هي قصائد حب. ربما كانت تشكل وحدها قصائد الحب في شعر فرناندو بيسوا، إذ لا نعرف للحب أي موضع آخر في قصائده العديدة، في أسمائه المتعددة. انه الحب الخجول، الحب المتواضع، الحب العذري? الحب الشهواني، الحب المليء بالغيرة،ا لحب الذي لا يشعر مطلقا بالاكتفاء، الحب الحالم، الحب اللطيف، الحب المنتقم، الغياب، المرارة، تلك المسحة من كراهية النساء. ثمة فتاة شابة "تسيطر" على مناخ القصيدة. * * * بعض هذه الرباعيات تنحو "بالعبث" صوب الحنان: "انه اللامعنى" الصافي، الذي يشكل صدى لتلك القصائد الهجائية التي انتشرت في القرون الوسطى. انه الوضوح المعتم لهذه "البديهية" المكبلة. * * * ثمة غنائية بدون نزق، اقتصاد في الوسائل، دقة بسيطة، استدارات غير متوقعة، علاقات سرية، شعبوية ماكرة: كأننا أمام ثقل في الخفة. * * * (1)
(2) نظمت كل لآلئ (3) الأرض بلا حياة. لا (4) دعيني لهنيهة أعتقد (5) ميتا، سأبقى إلى جانبك (6) لا أعرف أن كانت الروح تحيا في الماوراء (7) بلى، هواء البارحة كان أتعس (8) أعطيتك قلبي (9) العلبة التي من دون غطاء (10) انتظرتك ساعتين. (11) طيلة الليل، سمعت المياه في الحوض (12) النهارات هي النهارات. الليالي (13) تحملين زهرة في يدك (14) عيناك حزينتان، تائهتان، (15) بعد النهار يأتي الليل، (16) أيستحق الأمر أن أكون رزينا؟ (17) ترتدين خفين، (18) تديرين رأسك لتسألي (19) تحملين زهرة في يدك (20) آه، أيتها الشابة الشقراء، (21) لك، كتاب لا تقرأنيه، (22) لم تقولي أبدا إن أحببت (23) ملكت زهرة لأهديها (24) حينما تنظرين إلى الوراء (25) كل يوم أفكر (26) أسمعك تنشدين من النهار (27) الحبق الذي يشترى، ليس (28) الزهرة التي تقطف (29) أيتها السنونوة التي تمرين (30) لديك مشط أسباني (31) رجوتك مرتين (32) لا أعرف بما تفكرين (33) النوارس، أيضا وأيضا، (34) من جرة فخارية (35) ثمة حقائق تقال (36) غيمة في السماء تشبه (37) ترحل عاليا الغيمة التي تمر. (38) يا مريم، حين أناديك (39) أشعلت شمعة (40) عندي كتاب صغير أكتب (41) الحياة هي أشياء قليلة أحيانا (42) بخفة يذهب الأثير، بخفة (43) أيتها الغيمة، العالية، أيتها الغيمة (44) الغيمة التي تمر في السماء (45) أيها الجدول الصغير، أيها الجدول الصغير (46) في النهاية، (47) ابتسمي لي ابتسامة الأحد (48) أرتدي ثيابا جميلة (49) من خلف الجبال الخضر، يأتي (50) قلبه صغير، المسكين
|