قصائد ظبية خميس

11/03/2014 01:01

نحو الأبد (*)

 

 

ظبية خميس
(الإمارات)

نحو الأبد

ظبية خميستلك الليالي
كل تلك الليالي
همزة الوصل بين مدائن التيه
كل تلك الموسيقى الشاحبة
تقطع قفار الممالك نحو قلب يتأمل
سطوة الوجد في أحزانه
في بوحه القليل
ومزامير وحدته المتوجة بأكليل عيسى.
رامني السير، فرمته
لا الخيل، ولا البيداء، ولا السيف
في غمده أدرك الفريسة من نسرها
الجارح ومن طيور الجيف تحط بين
سمائها، والأرض.
خاتلتني الرؤى، فصرتها.
قل للغريب في جوف أرضه
تموت بين غدين وبين زمنين
وتأكلك الأرض، ولا تأكلها.
أودعت الخزائن أسراري
وأوسدت جثماني التابوت
وحين ختم الصمت على شفاهي المطبقة
ذهب السر الأكبر معي
تاركاً لهم أهداب خيوط تذوب
بين الدهور وبين كلماتهم.
إن في موتي، موتهم
وإن يدفنوني بالأمس
لا يدفنون في موتي، موتهم.

15 فبراير 2005 – نيودلهي

أمنية

ولربما جاء الربيع مبكراً
وخاتلني دون أن أراه
لأجتاز الشتاء مجدداً
في انتظار ذلك الذي تسرب
من بين أصابعي.

4 مارس 2005 - نيودلهي

هدية السماء

الجمال ببواباته يدفع أمامه
الربيع بدونما جهد يذكر
تصفح الشمس عن الغيوم آنئذ
وتكتسي الأشجار ثيابها
تأخذنا الزهور إلى رقة منتظرة
وتنحني أمامنا العواصف
متحولة إلى نسيم يتحول
إلى هواء الروح.
الربيع هدية السماء القصيرة
للصاعدين على جبالها.

31 مارس 2005 - بومبي

المخالصة

أن تملأ الفراغ بالثرثرة
أصوات تسمعها، تحدثها
أصوات في الرأس
أصوات في الأذن.
أن تفر من لحظة المخالصة
اللحظة تلك
بلا صوت يمتلكك أو تمتلكه.
الإدراك اللحظي للفراغ الكوني الكبير
للصورة ووهمها
للصور المتحركة للعارض، والمتحول،
وللزوال كما يحدث لك في كل يوم
نتجنب أقوالنا المكررة،
بالصمت
نتجنب حركاتنا التي تضرب في الهواء
بالثبات مثل صنم شرقي.
لا يصبح للماضي وجود
ولا للمستقبل
فقط اللحظة، اللحظة التي تعبر سريعاً
إلى مصيرها.
نراها أشباحنا، آئنذاك
تلك التي كناها
وهذه التي تتلبسنا في موقف التبديل.
ومثل قمر يضيء لليلة واحدة
نكتشف أنه نحن
ومثل شهاب ولد للتو
نكتشف أنه نحن.
لا ضوء في القنديل
يخبرنا عن حيواتنا، الآتية.

15 مايو 2005 نيودلهي

بضاعة النفس

أتراها الأمكنة
تلك التي تفضح شحوبنا
ورغبتنا في الإياب
أتراها الأمكنة
تلك التي نتوق للانعتاق منها
التي تتخذ طعماً ما في حلوقنا فيما بعد
عندما نتذكرها
الأمكنة تصنع أشواقنا، تكشف خبايانا
تعرفنا على من نحن بقسريتنا
المفاجئة، وميولنا التي لم نعترف بها،
انتماءنا المحدد للأشياء، والأماكن،
والأصدقاء.
بضاعتنا القديمة التي ردت لنا عبر
الرحيل.
متأنية في ألمي
أسعى إلى كشف أغوار ذلك
العمق الذي لا أعرف له قاعاً
كي أواري بعيداً .. بعيداً ظل الكائن
في وحدته
تدرك أنك تصنع أصواتاً
كلمات
لهاث
تدرك أنك تصنع احتكاكاً ما
خفيفاً، وسطحياً
سرعان ما تتوارى حرارته.
تدرك أن الأحلام تجلب لك
مخلوقات لا تعرفها
وأراضي تتوه فيها، لن تعرفها.

16 يونيو 2005 نيودلهي

يا لها الأرواح

أفرد ما في جعبتي
كما يفرد المساء ظلاله
أتكئ على فيء المخيلة
يا لها الأرواح .. كم هي صاخبة
في حياتها، وفي مماتها، أيضاً.
أرتاح لغربتي ...
لضمير الأنا الضارب في تيهه.
أملاْ كفي بالينبوع
وأغمس نوري في عين الماء.
لا يدرك المتسول كم هي ثروته.
أعانق أشباح الكلام
تلك العالقة في البئر السحيق
نحن أشباهها التائهة
الحاملين لأبجدية ماضيها
المسرفين على أنفسنا في شتات
الشرايين والأوردة
لا نشبهكم حتى في تمثيلياتنا التاريخية
العمامة، والسيف، والفصاحة الملفقة.
لا نجرح الأفق بصهيل خيولنا
ولم نعد نعرف من هم العرب والعاربة.
نختبئ وراء أسمائنا
ونحفر في قبور الحياة مثل قناص أضاع
فريسته.
كيف يعلو النشيج كي يخرج الليث
من أدغاله.
حدائق ديلهي
أجمع نثار النور
من حدائق ديلهي
على صخرة أثرية
أرسم مشاهد المدينة
مثل كائن من العصر الحجري
يؤرخ لذاكرته
ناعمة، وقصية اليوم
وقد غيرت جلود ثعابينها
بين فصولها الخمسة التي يتدفق منها
الماء، والنار، والضياء.
أمسكت بي الأشباح فيها
بين القصور، القبور، والمحاريب
تسلل إلى أخضرها، وغموضها المجهول،
عبر حدائقها التي تغطي شيخوختها بإتقان
المحترفين.
البخور، والموسيقا، أغلفة الكتب وتماثيل
الآلهة كلها تجلس في حضني اليوم
لتقول إن هذه هي ديلهي ... ديلهي
تلك المختبئة في وجه الأخضر الذي
يرسم ملامح وجهها.

10 سبتمبر 2005 القاهرة

مطر السماء

سوف تمطر السماء،
يا حياتي.
من جديد !
ما هذا: نيل الفراعنة في بدء خلقه.
والنسيم يرطب الروح التي يجري الماء
في نثارها.
أين المقدس، إذن؟
يخرج من صندوقه في الذاكرة.
أنراه؟
كما لم نر أنفسنا، أبداً.

29 سبتمبر 2005 القاهرة

شجرة التين

جاء السد إلى الباب
فكسرته.
بعد ذلك دخلت السيول
سيلاً، سيلاً
خلفت الندوب وراءها
اجترحت الطوب والصخور
أخذت معها كائنات وبشر
وتركت وراءها الكثير من الوحل والطين.
جلست على شجرة التين
ولا أعرف كيف صمدت،
وكيف تحملتني.
وصرت أداوي تلك الندوب بأوراقها.
خلسةً
غادرت أرواح أبدانها
وخلسةً
تلصصت، أنا على ذلك، أيضاً.
تبعتها وهي تخرج في الفضاء
تعربد بين الأحياء
الذين سقطوا في بحار من الدموع.
كانت الأمواج ترقص وتضحك
فيما الأبدان نائمة، نائمة
تلك النومة الأبدية.
صفقت للنادل كي يجيء
وبدلاً منه
جاء قطيع من الأسود
يبحث عن سرب من الظباء.
لا تحتمل المسألة كثيراً من
النقاش
بين أن تختار أن تكون
القاتل أو المقتول.
دعني أرفع تنورتي الغجرية
قليلاً
فالرأس لابد أن ينحني
والأقدام لابد أن ترتفع قليلاً
كي أقطع النهر ما بين الذي
كان والذي يكون

22 أغسطس 2006

هم، مثلنا

النملة تثابر
يسقط حملها الذي تنوء به
فتحمله من جديد.
لا شيء يوقفها عن ذلك الدأب
لا المطر ولا الرياح
ولا سحق الأحذية لها
ولا المبيدات الحشرية
ولا حتى انقضاض آكل النمل عليها.
إنها تسعى، تسعى دائماً
وشعارها: “في الحركة بركة”.
هل يمكن للنباتات أن تشعر بالغرور
أن تباهي بعضها البعض بجمالها
أو اخضرارها
براعمها أو ثمارها.
كأن تشعر شجرة المانجا
بأنها أكثر أنوثة، مثلاً،
من شجر الخوخ.
أو أن تمنح زهرة اللوتس
نفسها امتيازاً سماوياً
لأنها مقدسة لدى الكثير من الأمم.
أو أن يشعر التوليب بتمايله
باتجاه الضوء
إنه أكثر رشاقة من شجر البلوط،
مثلاً.
وهل يمكن للزهور أن تظن أن
النحل لن يستطيع العيش بدونها
وأنه لا يستطيع أن يخونها
وأن غضبها منه قد يتسبب له في
الموت بالسكتة القلبية، مثلاً.
أظن أن النباتات تعلم ذلك
جيداً، وهي بدورها قادرة
على السخرية منا، أيضاً.