عبدالله أبو شرخ يكتب : الدولة الواحدة فى شعر محمود درويش

15/04/2014 17:31

 ! الدولة الواحدة في شعر محمود درويش 

 
 
 
دراسة :عبدالله أبو شرخ 
     
 
  
 
  
السلام هو الاعتراف علانية بالحقييق
ماذا صنعتم بطيف القتيل !
السلام هو الانصراف إلى عمل في الحديقة
ماذا سنزرع عما قليل !
 
محمود درويش
 
--------------------------------------
 
بداية لابد من الاعتراف بأن التفكير في خيار إنشاء دولة ديمقراطية واحدة لكل مواطنيها بعيداً عن حل الدولتين الذي أصبح مطلباً عالمياً، هو أمر بالغ الصعوبة، فحتى قرار الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين رقم 181 منطلق أساساً من حل الدولتين، دولة عربية ودولة يهودية، ثم جاء قرار 242 لينص على انسحاب إسرائيل من " أراض " عربية احتلتها عام 1967، ليصبح تعبير " الأراضي المحتلة " يقصد به الضفة الغربية وغزة وليس حيفا ويافا وعكا واللد والرملة والمجدل والناصرة وصفد. 
 
ورغم أن محمود درويش قام بصياغة وثيقة إعلان استقلال الدولة الفلسطينية عام 1988 المبنية على حل الدولتين، إلا أنه في سنوات حياته الأخيرة، أصبح ممن يؤيدون خيار الدولة الديمقراطية الواحدة ويقترح الحوار منطلقاً لصنع السلام الشامل والعادل، والذي لا يمكن أن يتحقق دون حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه الوطنية والإنسانية، خاصة حقه في العودة إلى بلاده.
 
ونلاحظ أن الشاعر - ونظراً لمسيرة عطائه الطويلة – قد تغير تفكيره لحل الصراع، فبعد أن كان يدعو إلى طرد اليهود من فلسطين، كمثل قوله: 
 
اخرجوا من أرضنا..
 
من برنا.. من بحرنا..
 
من قمحنا.. من ملحنا.. من جرحنا
 
من كلّ شيء،
 
واخرجوا..
 
من ذكريات الذاكرة
 
حيث من الواضح أن درويش في الأبيات السابقة لا يدعو إلى التعايش ولا إلى التفاهم، بل يدعو صراحة لطرد اليهود من فلسطين بالكامل، لكن لنراه يعود في ديوان " حالة حصار " ليقول:
 
أَيُّها الواقفون على العَتَبات ادخُلُوا،
 
واشربوا معنا القهوةَ العربيَّةَ
 
فقد تشعرون بأنكمُ بَشَرٌ مثلنا.
 
أَيها الواقفون على عتبات البيوت!
 
اُخرجوا من صباحاتنا،
 
نطمئنَّ إلى أَننا
 
بَشَرٌ مثلكُمْ!
 
ثم تراه ينشد السلام قائلاً:
 
عندما تختفي الطائراتُ تطيرُ الحماماتُ،
 
بيضاءَ بيضاءَ، تغسِلُ خَدَّ السماء
 
بأجنحةٍ حُرَّةٍ، تستعيدُ البهاءَ وملكيَّةَ
 
الجوِّ واللَهْو. أَعلى وأَعلى تطيرُ
 
الحماماتُ، بيضاءَ بيضاءَ. ليت السماءَ
 
حقيقيّةٌ قال لي رَجَلٌ عابرٌ بين قنبلتين
 
ثم يعود لكي يعرف مفهوم السلام " الحقيقي " القائم على المساواة والعدل فيقول:
 
السلام هو رثاء فتى ثقبت قلبه
شامة امرأة
لا رصاص ولا قنبلة
السلام هو غناء حياة في الحياة هنا
على وتر السنبلة !
 
ثم ينتقل الشاعر في موضع آخر ليوجه رسالة واضحة إلى الشعب اليهودي الذي عانى " الهلوكوست "، فيخاطب الجندي قائلاً:
 
إلي قاتلٍ: لو تأمَّلْتَ وَجْهَ الضحيّةْ
 
وفكَّرتَ، كُنْتَ تذكَّرْتَ أُمَّك في غُرْفَةِ
 
الغازِ، كُنْتَ تحرَّرتَ من حكمة البندقيَّةْ
 
وغيَّرتَ رأيك: ما هكذا تُسْتَعادُ الهُويَّةْ
 
 
ثم نراه يحلم بالتعايش مع اليهود في دولة واحدة فيقول:
 
إلى قاتلٍ آخر: لو تَرَكْتَ الجنينَ ثلاثين يوماً،
 
إِذَاً لتغيَّرتِ الاحتمالاتُ:
 
قد ينتهي الاحتلالُ ولا يتذكَّرُ ذاك الرضيعُ زمانَ الحصار،
 
فيكبر طفلاً معافي،
 
ويدرُسُ في معهدٍ واحد مع إحدى بناتكَ
 
تارِيخَ آسيا القديمَ.
 
وقد يقعان معاً في شِباك الغرام.
 
وقد يُنْجبان اُبنةً (وتكونُ يهوديَّةً بالولادةِ).
 
ماذا فَعَلْتَ إذاً ؟
 
صارت ابنتُكَ الآن أَرملةً،
 
والحفيدةُ صارت يتيمةْ ؟
 
فماذا فَعَلْتَ بأُسرتكَ الشاردةْ
 
وكيف أَصَبْتَ ثلاثَ حمائمَ بالطلقة الواحدةْ ؟
 
---------------------------------------------------
 
إن التفكير في دولة واحدة للشعبين هو تفكير جديد قديم، فقد طرحه الشيوعيون في العشرينات من القرن الماضي، أي من قبل قيام إسرائيل بنحو عشرين عاماً، ثم عاد إلى طرحه بعض المفكرين اليهود اليساريين في الأربعينات وقبل قيام الدولة. جدير بالذكر أن الميثاق الوطني الفلسطيني كان يدعو إلى قيام دولة فلسطين الحرة الديمقراطية على كامل تراب فلسطين، ولم تتنازل منظمة التحرير إلى حل الدولتين إلا في دورة القاهرة 1974 ! ثم لاحقاً تحدث عنه المفكر إدوارد سعيد في كتابه ( نهاية عملية السلام / 1999 ) والذي منعه الراحل عرفات من التوزيع في الأراضي الفلسطينية بمرسوم رئاسي ! فما أسباب منع أصحاب أوسلو لكتاب إدوارد سعيد والذي قام بكتابته رداً على مشاهدته آلاف الوحدات الاستيطانية التي تملأ الضفة الغربية ؟؟!